علاج منازعات الملكية العقارية في ليبيا ما بعد القذافي، دراسة في سياق العدالة الانتقالية
تعلق المشروع البحثي بآليتين من آليات فض المنازعات الناشئة في معظمها عن قوانين من حقبة القذافي حدّت بشكل كبير من الملكية الخاصة للعقارات، وهذه القوانين تحديداً هي القانون رقم 4 لسنة 1978 الذي طبق على المساكن وغيرها من المباني والأراضي (القانون 4)، والقانون رقم 123 لسنة 1970 الذي تعلق أساساً بالأراضي الزراعية (القانون 123). ومع إعطاء الأولوية لوجهات النظر والخبرات الليبية، فإن المشروع قد انتهى إلى مقترحات سياسة وتشريع تبيّن كيف يمكن لهذه الآليات أن تدمج في جهود ليبيا المتعلقة بالعدالة الانتقالية.
Project Manager | سليمان إبراهيم |
Duration | 2015-2017 |
ملخص التقرير النهائي لمشروع علاج منازعات الملكية العقارية في ليبيا ما بعد القذافي، دراسة في سياق العدالة الانتقالية
تعلق المشروع البحثي بآليتين من آليات فض المنازعات الناشئة في معظمها عن قوانين من حقبة القذافي حدّت بشكل كبير من الملكية الخاصة للعقارات، وهذه القوانين تحديداً هي القانون رقم 4 لسنة 1978 الذي طبق على المساكن وغيرها من المباني والأراضي (القانون 4)، والقانون رقم 123 لسنة 1970 الذي تعلق أساساً بالأراضي الزراعية (القانون 123). ومع إعطاء الأولوية لوجهات النظر والخبرات الليبية، فإن المشروع قد انتهى إلى مقترحات سياسة وتشريع تبيّن كيف يمكن لهذه الآليات أن تدمج في جهود ليبيا المتعلقة بالعدالة الانتقالية. وهذه المقترحات تفترض العودة إلى حكومة موحدة وفقاً لما نص عليه الاتفاق السياسي الليبي.
وقد ركّز المشروع على آليتين: الآلية الأولى هي لجنة رسمية شكلت عام 2006 لعلاج انحرافات في تطبيق القانون 4. وقد جرى البحث على لجنة الإشراف في طرابلس ولجانٍ فرعية في طرابلس وبنغازي وسبها. أما الآلية الثانية، وهي أقل رسمية، فتتمثل في القيادات التقليدية بوصفها مرجعاً لفض المنازعات الناشئة عن القانون 123، وهي الأداة التي تم بموجبها إعادة توزيع الأراضي الزراعية التي نزعتها الدولة، في الغالب، من القبائل. وقد جرى البحث في مجال دور القيادات التقليدية في بني وليد والمرج وأوباري.
وقد أظهر البحث أن منازعات الملكية العقارية قد شاعت في حقبة ما بعد القذافي. فالقانون 4 قد طبق، وفقاً لإحصائيات مصلحة أملاك الدولة، على 56,000 إلى 75,000 عقار، ولكن 25,148 طلب فقط قدمت إلى لجنة 2006. ويظهر أن الكثير من الملاك مازالوا في انتظار تدخل تشريعي يجبر مظالمهم على نحو أفضل. وحتى ضمن هؤلاء الذين تقدموا إلى اللجنة بالفعل وصدرت لصالحهم قرارات بالتعويض، هناك من يطالب الآن باسترداد العقار بدلاً عن التعويض. ويتوقع أيضاً أن يقدّم الذين نالوا تعويضاتٍ، بالفعل، طلباتٍ جديدةً في حال سُنَّ قانونٌ جديد يعالج آثار القانون 4. ولهذا فإن هناك عدد كبير من النزاعات الفعلية والمحتملة المتعلقة بالعقارات الخاضعة للقانون 4. وقد زاد الانقسام السياسي والصراع المسلح من حدة هذا الوضع. ففي بنغازي، على سبيل المثال، تسببت أعمال القتال في دمار كبير للمباني في وسط المدينة والمناطق المحيطة، وفي حين يتوقع أن تقوم الدولة بإعادة بنائها، يتساءل عدد من الملاك السابقين عما إذا كان الأَولى - والفرض أن المبنى قد تهدم - أن ترد الأرض، وهي عالية القيمة بحكم موقعها، إليهم، وأن يبنى للشاغلين السابقين مبنى في مكان آخر؟. هذه التطورات سيكون لها أثرها على نزاعات كان الظن أنها قد حسمت في الماضي.
أما القانون 123 فقد طبق غالباً على أراضٍ قبلية مشاعة، ولهذا يصعب تحديد عدد العقارات التي خضعت له. ولكن يمكن الحصول على مؤشرات واضحة على الملكيات الفردية التي نشأت عن تطبيقه في مناطق معينة. على سبيل المثال، يحوي مشروع منطقة الجبل الأخضر الزراعي 4,104 مزرعة نموذجية. و قد صُوحبت النزاعات التي نشأت في هذه المنطقة تحديداً، بالعنف، مراراً، ونشأت عنها وفيات.
وبشكل عام، فإن الاستجابات الحكومية لم تكن مناسبة. في الفترة التي أعقبت ثورة فبراير 2011 مباشرةً، طغت نزعة ثورية نتج عنها مطالبات "بتطهير" النظام القانوني من قوانين النظام السابق ومؤسساته وأشخاصه. وسعى الملاك السابقون، وقد أظهروا أنفسهم على أنهم من ضحايا هذا النظام، إلى استصدار قانون يعالج المظالم الناشئة عن القانونين 4 و123. وقد اثمرت مساعيهم ثلاثة مشروعات بقانون. واحد فقط من هذه المشروعات لم يقترح إلغاء القانون 4 بأثر رجعي، ولكن هذا الاختلاف لم ينتج خلافاً كبيراً مع المشروعين الآخرين في معالجة آثار هذا القانون، رقم 4. وتبنت المشروعات رد العقارات إلى الملاك السابقين أصلاً في المعالجة، وإعطائهم تعويضاً عادلاً في حال تعذر الرد. وإذا ما تقرر الرد، اقترحت المشروعات تعويض الشاغل نقداً أو عيناً. وقد أسست المشروعات لاستمرار لجنة مشابهة للجنة 2006 في معالجة آثار القانون 4. وبالنسبة للقانون 123، فإن مشروعاً واحداً قد تطرق إليه. دعا هذا المشروع إلى إلغاء القانون 123، وردّ الأرض إلى مالكها السابق، مع الإبقاء على الشاغل في المسكن الملحق بالمزرعة وجزءًا من الأرض المحيطة به. هنا، تبنى المشروع حلاً توصل إليه وطبقه شيوخ القبائل في المرج رغم مخالفته القانون 123. وهذا خلافاً للحال في بني وليد حيث لم تعرض منازعات متعلقة بالقانون 123 على القيادات التقليدية. وقد يكون سبب هذا إدراك تعارض ما قد يصلون إليه من حلول مع القانون 123.
ولكن التغيرات السياسية اللاحقة أثرت على هذه الاستجابات. فالمؤتمر الوطني العام لم يتبن أياً من المشروعات الثلاثة سالفة الذكر، وحين سن في أواخر عام 2015 قانونين لإلغاء القانون 4 ومعالجة آثار ذلك: القانون رقم 16 والقانون رقم 20، فإن هذا قد جاء متأخراً، فقد كانت ولايته قد انتهت. وفي المرج أيضاً تأثرت الحلول التي توصل إليها شيوخ القبائل، فقد أصدر رئيس مجلس النواب في سبتمبر 2015 تعميماً ذكّر فيه بأن القانون 123 مازال سارياً، وأعقبه تحذير من القيادة العامة للجيش الوطني من الاعتداء على الأملاك العامة والخاصة. وأدى هذا إلى توقف شيوخ القبائل عن اتخاذ مثل هذه الحلول. كما أن المحاكم في المرج قد حكمت ببطلانها لتعارضها مع القانون 123.
ولكن هذه التغيرات قد تكفل معالجة أفضل للمنازعات. فبيئة تغيب عنها النزعة الثورية المفرطة أدعى إلى أن تكون الحلول المتوصل إليها أكثر موضوعية، وبالتالي، أكثر قابلية للاستدامة؛ حلول يسهم في الوصول إليها الملاك السابقون وشاغلو العقارات تحت إشراف الدولة. ونقطة الانطلاق هي وضع علاج مظالم الملكية العقارية ضمن أولويات الحكومة. ينبغي بعدها عدّ "القانونين" 16 و20 منعدمَي الوجود لافتقادهما الأساس القانوني، وكذلك - وهذا ربما أكثر أهمية - تأثر واضعيهما بالملاك السابقين في غيبة كاملة للشاغلين، وتفضيلهما، لهذا السبب، مصالح الأولين على نحو كبير. هذان "القانونان" فشلا أيضاً في معالجة مظالم القانون 4 في إطار العدالة الانتقالية. والكشف عن انعدام القانونين يتحقق عن طريق اللجنة التي أوجب الاتفاق السياسي على الحكومة تشكيلها لمراجعة القوانين والقرارات التي صدرت في الفترة السابقة على توقيعه. وعلى مجلس النواب حينها أن يسن قانوناً جديداً يلغي بموجبه القانون 4، ويعالج نتائجه على نحو متوازن. لهذا الغرض، ينبغي أن يرعى المجلس حواراً بين الملاك السابقين والشاغلين.
كذلك، على مجلس النواب أن يبني على تجربة لجنة 2006. ففي ظل تفويض محدود، نجحت اللجنة في حمل السلطات على زيادة حالات رد العقار، والسماح للشاغلين بتقديم طلبات. وفي مواجهة تحدي الإثبات الناجم عن حرق سجلات التسجيل العقاري وملفاته، أبدت اللجنة نزعة عملية محمودة ومرونة بقبولها طرق إثبات مثل شهادة الشهود. وقد دفعها إلى هذا أن البديل، أي التقيد في الإثبات بالشهادات المستندة إلى تسجيل عقاري قطعي، سيؤدي إلى رفض معظم، إن لم يكن كل، طلبات الملاك السابقين. وقد سعت اللجنة إلى تعزيز طرق الإثبات هذه بالرجوع إلى سجلات مؤسسات الدولة، ولم يخل هذا من مشاكل بسبب تضارب هذه السجلات أحياناً واضطرابها. وباصطحاب السياق الذي كان على اللجنة أن تعمل فيه، لا يملك المرء إلا أن يشيد بتجربتها.
في القانون المستقبل، ستحتاج اللجنة، أو أي جسم مشابه، إلى أن يؤطر في إطار العدالة الانتقالية للأسباب التالية:
- أن الدولة لا تستطيع دفع تعويضات ضخمة تشمل قيمة العقارات السوقية الحالية، وما لحق الملاك من خسارة.
- أن هناك الكثير من انتهاكات حقوق الإنسان تنتظر الجبر بدورها.
- أنه في بلد يفتقد إلى خدمات أساسية، قد تقدم أولويات أخرى على التعويض النقدي الكامل.
- أن جبر الضرر في إطار العدالة الانتقالية يشمل تعويضات نقدية غير كاملة وطرقَ جبرِ ضررٍ تتعدى التعويض النقدي.
وفي هذا الشأن، لن يبدأ القانون الجديد من الصفر، فالقانون رقم 29 لسنة 2013 بشأن العدالة الانتقالية (القانون 29) ينطبق بالفعل على المظالم الناشئة عن القانون 4، ومن ضمنها، طبعاً، نصوصه المتعلقة بجبر الضرر، ودور هيئة تقصي الحقائق والمصالحة الوطنية. وفي حين يلغي القانون 29 ما يتعارض معه من تشريعات، ومن ضمنها القرار المؤسس والمنظم للجنة 2006، فإنه يسمح بتشكيل لجان متخصصة لمعالجة مظالم القانون 4، وغيرها من المظالم التي ينطبق بشأنها القانون 29، تحت إشراف الهيئة. وفي هذا الصدد، ينبغي أن ينشئ القانون الجديد لجنة متخصصة على غرار لجنة 2006.
أما عن المنازعات المتعلقة بالقانون 123، فإنَّ أيَّ علاج ينبغي أن ينطلق من موقف حول ما إذا كان ينبغي إلغاء هذا القانون أو الإبقاء عليه. وهذا المشروع البحثي يوصي بعدم إلغائه. أولاً، سيكون من الصعب إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل صدور هذا القانون، فهو قد استبدل الملكية القبلية المشاعة بملكيات فردية مفرزة، ويصعب الآن الرجوع عن عقود من التحضر والتحول نحو الفردية. ثانياً، نتج عن القانون 123 تحوُّلُ أراضٍ إلى مزارعَ منتجة، وهناك خشية مشروعة من أن إلغاءَهُ سيخاطر بفقدان هذه المزارع. ولكن، كانت هناك أخطاء صاحبت تطبيق القانون 123 وينبغي تصحيحها. ورغم أنه ينبغي عدم إسناد الكلمة العليا إلى القيادات التقليدية في نزاعات تشمل الدولة، إلا أنه ينبغي الإفادة من خبرة هؤلاء ورصيدهم بإدماجهم في الجهود التي تقوم بها الدولة لفض هذه المنازعات. وفي هذا الشأن، نستحضر تجربة لجان فض منازعات الأراضي والآبار القبلية التي شكلتها الدولة، وشملت ضمن أعضائها شيوخ قبائل. و قد تضمّن القانون 29 ما يعزز هذا الاتجاه بتوجيهه هيئة تقصي الحقائق إلى الاستعانة بشيوخ القبائل والحكماء الذين عرفوا بتأثيرهم في فض المنازعات المحلية بالطرق العرفية.