تقويم تشريعات ليبيا لأجل إعادة البناء
انطلق المشروع من ملاحظة أن سلطات ما بعد فبراير 2011 قد اعتمدت - إلى حد كبير - التشريع وسيلة لتحقيق أهدافها، وقد حذت هذه السلطات في هذا حذو النظام السابق الذي وصِفتْ حركة التشريع في عهده، عن حق، بالإسهال التشريعي. لم يكن هذا "الاسهال" مشكلة صناعة التشريع الوحيدة في ذلك العهد؛ فقد لازمتها مشاكل أخرى دفعت البعض إلى القول بأنها كانت تعيش أزمةً. سؤال بحثنا الرئيس كان: ما مدى اختلاف الحال بعد زوال هذا النظام؟ وإذا لم يكن ثمة فروق جوهرية، فما الذي تلزم معالجته؟
Project Manager | جان ميخائيل أوتو سليمان إبراهيم |
Duration | 1 November 2014 to 31 October 2015 |
مقدمة التقرير النهائي لمشروع تقويم تشريعات ليبيا لأجل إعادة البناء
يعرض هذا التقرير نتائج مشروع بحثي حول "تقويم تشريعات ليبيا لأجل إعادة البناء"، اشترك في تنفيذه مركز دراسات القانون والمجتمع بجامعة بنغازي، ومؤسسة فان فولينهوفين للقانون والحوكمة والتنمية بجامعة ليدن، خلال عام 2015، وتكفلت السفارة الهولندية في طرابلس بتمويل معظم نفقاته.
انطلق المشروع من ملاحظة أن سلطات ما بعد فبراير 2011 قد اعتمدت - إلى حد كبير التشريع - وسيلة لتحقيق أهدافها، وقد حذت هذه السلطات في هذا حذو النظام السابق الذي وصِفتْ حركة التشريع في عهده، عن حق، بالإسهال التشريعي. لم يكن هذا "الاسهال" مشكلة صناعة التشريع الوحيدة في ذلك العهد؛ فقد لازمتها مشاكل أخرى دفعت البعض إلى القول بأنها كانت تعيش أزمةً. سؤال بحثنا الرئيس كان: ما مدى اختلاف الحال بعد زوال هذا النظام؟ وإذا لم يكن ثمة فروق جوهرية، فما الذي تلزم معالجته؟
وقد اعتمد المشروع في تقويم صناعة التشريع على دراسات مكتبية للتجربة الليبية قبل وبعد ثورة فبراير والتجارب المقارنة، وعدد من دراسات الحالة لتشريعات، أو مشروعات تشريعات، محددة، ولقاءات علمية جمعت خبراء ليبيين وأجانب لمناقشة جوانب صناعة التشريع المختلفة. كانت أولى هذه اللقاءات ورشة عمل في مارس 2015 حول عملية صناعة الدستور في ليبيا، واشتركت في تنظيمها المؤسسات المنفذة للمشروع مع مركز البحوث والاستشارات بجامعة بنغازي، وحظيت بحضور واسع من خبراء ليبيين وأجانب، ورئيس الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور وأعضائه. ركزت الورشة على الجوانب الإجرائية والموضوعية لعملية صناعة الدستور على وجه العموم، ومخرجات الهيئة التي أعلنت عنها في ديسمبر 2014 على وجه الخصوص. وعقب ذلك، عقدت المؤسسات المنفذة للمشروع ورشة عمل أخرى في يونيو 2015 خصصتها لعرض النظريات الرئيسية ومناقشتها، وبحث أفضل الممارسات في صناعة التشريع لأغراض التنمية، وكيفية استخدامها بما يتناسب مع الحالة الليبية، ومناقشة دراسات كان يُعدها باحثون ليبيون عن تشريعات، ومشروعات تشريعات، ما بعد فبراير. وبعد إتمامها، عُرضت هذه الدراسات في مؤتمر عُقد في سبتمبر 2015 في جامعة ليدن، وناقشها عدد من الخبراء الليبيين والأجانب، منهم وزيرا عدل في حقبة ما بعد فبراير، محمد العلاقي وصلاح المرغني، واللذان شهدت فترات ولاياتهم سن عدد من التشريعات محل الدراسة، ولعبا دوراً كبيراً في صناعة بعضها.
تنوعت دراسات الحالة التي أُنجزت في إطار المشروع من حيث التشريعات محل الدراسة، ومَنْ ساهم في وضعها، ومتى وضعت. ومن ثمَّ كانت عينة ممثلة إلى حد بعيد لتشريعات ما بعد فبراير. وقد تميز أغلب الباحثين الذين أجروا هذه الدراسات بجمعهم بين المعرفة القانونية والخبرة العملية فيما يتعلق بموضوعات دراساتهم. فقد تعلقت الدراسة الأولى بالقانون رقم 4/2012 بشأن انتخابات المؤتمر الوطني العام وتأثيره على الحياة السياسية في ليبيا، ووصفت كيف نظم القانون نظام التصويت، وتمثيل الأحزاب السياسية، والقضاء الانتخابي. وقد أجراها خالد زيو، الذي كان عضواً في اللجنة التي أعدت مسودة الإعلان الدستوري، الذي كرس مبدأ انتخاب المؤتمر الوطني العام، ومنسقاً لشؤون الأحزاب السياسية في المفوضية الوطنية العليا للانتخابات. ومثلها كانت الدراستين الثانية والثالثة. فقد تناولت الثانية الدراسة المتعلقة بالتشريعات المنظمة للقضاء عموما، والمجلس الأعلى للقضاء تحديداً، وأجراها مروان الطشاني، وهو قاضٍ ورئيس المنظمة الليبية للقضاة. أما الثالثة فقد تعلقت بمشروع قانون تنظيم منظمات المجتمع المدني، وقام بها ناصر الككلي، المدير التنفيذي الحالي لمفوضية المجتمع المدني، وكان قبلها لسنوات نشطاً في مجال حقوق الطفل، وترأس جمعية متخصصة في هذا المجال. تعلقت الدراسة الرابعة بالقانون رقم1/2013 الذي حظر التعامل بالفوائد، وأجراها ضو بوغرارة، أستاذ مشارك الشريعة الإسلامية بجامعة طرابلس وعضو سابق في اللجنة القانونية للصيرفة الإسلامية، وناصر الغيطة، محاضر القانون الدولي وحقوق الإنسان بجامعة الزيتونة. وقد ناقش الباحثان مدى أسلمة تشريعات ما بعد فبراير، وما ينطوي عليه ذلك، ويتطلبه. كانت العدالة الانتقالية موضوعاً للدراستين الخامسة والسادسة. تناولت هالة الأطرش، محاضر القانون الدولي وحقوق الإنسان بجامعة بنغازي، قانون العدالة الانتقالية رقم 29/2013، في حين ركزت جازية شعيتير، محاضر القانون الجنائي، على مشروع قانون تقدمت به وزارة العدل لمعالجة أوضاع المعنفات والمغتصبات، تحول، حين بان للوزارة انصراف نية المؤتمر الوطني العام عن سنه، إلى قرار صدر عن مجلس الوزراء لمعالجة أوضاع ضحايا العنف الجنسي.
وللوصول إلى تقويم عام لتشريعات ما بعد فبراير، شُجِعَ الباحثون على أن يتناولوا في دراساتهم: المشكلة التي استهدف التشريع محل الدراسة علاجها، والظروف التي صاحبت وضعه، واللاعبين الرئيسيين، ومراحل وضع التشريع، والسياسة الكامنة خلف وضعه، ومدى فعاليته، ومدى تحقق معايير جودة التشريع فيه.
وكما يمكن أن يُلاحظ في التقرير التجميعي للمشروع البحثي، كانت الخلاصة الرئيسية أن صناعة التشريع في ليبيا بعد فبراير 2011 لم تزل تشكو إلى حد بعيد من المشاكل التي أرهقتها قبله. وفي حين تعود أسباب العديد من هذه المشاكل إلى الفترة السابقة على الثورة، فإن من تناوبوا على السلطة بعدها فعلوا القليل لمعالجتها. لهذا ينتهي التقرير إلى توصيات محددة بشأن هذه المعالجة.