القانون والمجتمع في ليبيا

القانون والمجتمع في ليبيا

السنوسيُّ الكبير*

النشأة والتكوين: في الثاني عشر من ربيع الأوَّل عام 1202هـ/الموافق للثاني والعشرين من ديسمبر 1787م، بسهل الواسطة بمستغانم، وُلد السيِّد: محمَّد بن عليِّ بن السنوسيِّ، الخطَّابيُّ الحسنيُّ الإدريسيُّ، المعروف في كتب التاريخ بالسنوسيِّ الكبير، وبين إخوانه بالأستاذ الأكبر، وفي برقة بابن السنوسيِّ. توفِّي والده بعد عامين من ولادته، وبمسقط رأسه أقبل على حفظ القرآن؛ حيث تولَّت عمَّته السيِّدة فاطمة تربيته وتنشئته، وكانت متبحِّرة في العلوم، منقطعة للتدريس؛ فاهتمَّت بابن أخيها الذي أظهر حبًّا عظيمًا لتحصيل العلوم؛ فتلقَّى القرآن الكريم عن عدَّة مشايخ؛ منهم محمَّد بن قعمش الطهراويُّ زوج عمَّته، وابنه عبد القادر، وابن عمِّه الوليُّ الربَّانِيُّ المُعمَّر محمَّد السنوسيُّ الذي تولَّاه بعد وفاة عمَّته عام 1209هـ/1794م فأتمَّ عليه حفظ القرآن الكريم، وتلقَّى عنه القراءاتِ السبعَ، وقرأ عليه مورد الظمآن، والعقيلة، والجزريَّة، والشاطبيَّة، وغيرها ممَّا هو من وظائف قارئ القرآن.

وبعد أن أتمَّ ما يلزمه من علوم القرآن الكريم، شرع ابن عمِّه في تعليمه علوم العربيَّة والشريعة بالتدرُّج، وتربيتِه على العمل بما تعلَّم، ولمَّا توفِّي ابن عمِّه جلس إلى شيوخ مستغانم سنتين يطلب العلم، ثمَّ خرج من مستغانم إلى بلدة مازونة، ومكث بها سنة واحدة، وتلمذ لعدد من علمائها، وبعدها ارتحل إلى تِلِمْسان وأقام بها سنة، وتلمذ لكبار شيوخها([1]).

رحلته إلى القرويِّين:

وبعد أن قطع المرحلة الأولى من طلب العلم في بلده تاقت نفسه إلى المزيد، فقصد مدينة فاس عام 1220هـ/1805م، حيث جامع القَرويِّين؛ وأخذ العلم عن أفاضل علمائها، وتبحَّر في معرفة الطرق الصوفيَّة، وأجيز في سائر العلوم النقليَّة والعقليَّة، وجلس للتدريس بالجامع الكبير بفاس، ونال لقب (المشيخة الكبرى)، وأقبل إليه طلَّاب العلم ينهلون من معينه.

وفي عام 1235هـ/1820م، قفل راجعًا إلى مستغانم والقليعة، ومنها إلى أبي سعادة بالجنوب الجزائريِّ -وبه ألَّف كتابه الأوَّل: (بغية السول، في الاجتهاد والعمل بحديث الرسول)- ثمَّ قَسنطينة، وفي طريق عودته تلك توغَّل في أعماق صحراء الجزائر ليزور أشهر الزوايا ويقابل مقدَّميها، وكان في أثناء رحلته يعظ الناس ويفقِّههم في أمور دينهم([2]).

رحلته إلى الحجاز (التشريقة الأولى)

ثمَّ قاده شوقه إلى البقاع المقدَّسة، كما أنَّه رأى في الإقامة بمكَّة فرصةً للقاء كبار علماء العالم الإسلاميِّ، فغادر الجزائر عام 1238هـ/1823م، ودخل تونس، وألمَّ بجامع الزيتونة، ثمَّ واصل سيره ودخل طرابلس الغرب، ومكث بها مدَّة للوعظ والإرشاد ونفع العباد، ثمَّ واصل سيره مرورًا بزليتن فمصراتة فبرقة، واستمرَّ في رحلته مع الصحراء حتَّى دخل القاهرة عام 1239هـ/1824م([3]).

وقد ألهمته زيارته لمصر رؤية جديدة ومهمَّة في الإصلاح؛ حيث أيقن أنَّه في حاجة ملحَّة إلى تحصيل علوم كثيرة غير العلوم التي تلقَّاها، واقتنع أنَّ تفوُّق أوربَّا في الصناعة والفنون الحربيَّة هو وليد العلم، وقد لمس ذلك في المشاريع التي أشرفت عليها فرنسا وبريطانيا في مصر في زمن محمَّد عليّ باشا([4]).

وبعد أن مكث برواق المغاربة بالجامع الأزهر مدَّة ناهزت السنة، غادر القاهرة متَّجهًا إلى الحجاز، فوصل إلى مكَّة أواخر سنة 1240هـ/1825م، وهناك -بعد أن أخذ عن معظم علماء الحرمين الشريفين الذين يصعب سرد أسمائهم في هذه الترجمة الموجزة- اجتمع بضالَّته، الأستاذ السيِّد: أبي العبَّاس أحمد بن إدريس العرائشيِّ الفاسيِّ، الذي تأثَّر به تأثُّرًا عظيمًا، وأخذ عنه الطريقة الإدريسيَّة المحمَّديَّة، ودرس عليه الحديث، وأمره بتأليف (المراصد)، وقضى معه سنوات عديدة، إلى أن اضطُرَّ السيِّد أحمد إلى الارتحال من الحجاز إلى صَبيا([5]).

شروعه في الدعوة (بناء زاوية أبي قبيس)

ولم ينتقل السيِّد أحمد بن إدريس حتَّى أجاز الأستاذ، وألحَّ عليه أن يقوم مقامه، وكان ممَّا قاله t: «أمَّا ولدنا السيِّد محمَّد بن السنوسيِّ، فنحن أمرناه أن يدلَّ الخلق على الله، ويجذب الطالبين إلى الله، إيَّاكم ثمَّ إيَّاكم من كلِّ ما يقطعكم عن صحبته، فإنَّه النائب عنَّا، قد اختاره الله لذلك... ونحن ما أقمناه حتَّى أقامه الله ورسوله، فقد قام امتثالًا لأمرهما»([6]).

التحق السنوسيُّ بشيخه في صَبيا، ثمَّ عاد من جديد إلى مكَّة المشرَّفة، وهناك، وعلى جبل أبي قُبيس المشْرِف على البيت الحرام، أسَّس أولى زواياه، التي عُرفت بـ(زاوية أبي قُبيس)، وشرع في إلقاء الدروس وتعليم من يقصده من المريدين وطلَّاب العلم؛ حيث كان يلتقي بوفود الحجيج، وكانت تلك الجموع تربة خصبة استطاع أن يبذر فيها دعوته، وينتخب منها من يصلح لمعاونته([7]).

بناء الزاوية البيضاء (التغريبة الأولى)

وبعد خمسة عشر عامًا قضاها بين مكَّة والمدينة والطائف، وتحديدًا في 30 من ذي الحجَّة 1255هـ/6 مارس 1840م، شدَّ رحله إلى الجزائر، ولكنَّه لم يدخلها لمَّا عَلِم بعزم الفرنسيِّين على الغدر به، فرجع إلى طرابلس وبقي بها أربعة أشهر اجتمع خلالها بواليها علي عسكر باشا الذي طلب الانتظام في سلك الأستاذ بعد أن اطَّلع على حقيقته خلال المناظرة التي جرت في حضرته([8]).

من طرابلس يمَّم الأستاذ جهة الشرق، فدخل بني غازي وأقام بها شهر رمضان من سنة 1257هـ/أكتوبر 1841م، ثمَّ اتَّجه إلى الجبل الأخضر، وهناك استقبله أعيان الجبل الذين كانوا قد شرعوا في تأسيس الزاوية البيضاء مع بعض الإخوان الذين سبقوا وصول الأستاذ، بالقرب من مرقد الصحابيِّ الجليل رويفع بن ثابت الأنصاريِّ t، بمحلٍّ يقال له (دنقرة)، وهي أوَّل زاوية سنوسيَّة أُسِّست في ليبيا، ولذا يسمُّونها (أمَّ الزوايا)([9])، وتسمَّى أيضًا (الزاوية الرافعيَّة)؛ نسبة إلى سيدي رافع.

وهنا دخلت برقة مرحلة هي من أهمِّ مراحل تاريخها، حين شرع الأستاذ في تأسيس زواياه، وأخذت القبائل تتوافد عليه، وتطلب إقامة زوايا لها إسوة بزاوية البراعصة، حتَّى أسَّس ما يزيد عن عشرين زاوية ببرقة في أقلَّ من خمسة أعوام، وكان الأستاذ يصلح ما فسد من عقائد الناس، ويزيل ما بينهم من أحقاد وتِرات، ويذكِّرهم برابطة الإيمان وأخوَّة الإسلام، ويأمرهم بالتعاون على البرِّ والتقوى، ويأخذ عليهم العهود بطاعة مشايخ الزوايا، وتعليم أبنائهم([10]).

وفي شوَّال 1262هـ/يوليو 1846م، عاد إلى الحجاز (التشريقة الثانية) واستأنف من هناك إنشاء العديد من الزوايا في ليبيا وفي الحجاز، واستطاع أن يسهم في تربية أبناء القبائل، وإرشادهم إلى دينهم، وكان يجلس لتعليم إخوانه بنفسه، فعقد لهم في المدينة ثمَّ مكَّة والطائف مجالس لتعليم الفقه والحديث وغيرها من العلوم، وألَّف لهم عددًا من الكتب منها (بغية المقاصد، في خلاصة المراصد)، حيث انتهى منه سنة 1264هـ/1848م، و(مقدِّمة موطَّأ الإمام مالك) في أوَّل سنة 1267هـ/1851م([11]).

بناء زاوية الجغبوب (التغريبة الثانية)

بعد ثمانية أعوام قضاها الأستاذ في الحجاز، لحق به وفد من أعيان برقة ووجهائها يلتمسون عودته، فخرج من مكَّة المشرَّفة يوم الأربعاء لعشر بقين من ذي الحجَّة سنة 1270هـ/13 سبتمبر 1854م، لينزل بقصر العزِّيَّات جنوبيَّ درنة يوم السبت 4 ربيع الأوَّل 1271هـ/25 نوفمبر 1854م، وأسَّس فيها زاوية أقام بها سنتين لم يزل الإخوان خلالهما في جدٍّ واجتهاد في القراءة والبناء، وكانت تلك الأرض قبل نزول الأستاذ بها مهجورة، فلم يلبث بها إلَّا قليلًا حتَّى عادت مقصدًا للزوَّار وطلَّاب العلم من كلِّ فجٍّ عميق.

وفي تلك المدَّة أراد الأستاذ تأسيس الجغبوب بقصد سكناه، لتوسُّطه بين الأوطان، وبُعده عن نفوذ الدول، فأرسل بعثة من إخوانه مكوَّنة من خمسة عشر رجلًا، لبناء زاوية الجغبوب فأسَّسوها في مدَّة قليلة، فصارت مهد أمان ومركز عبادة، ومشرق أنوار ومعلم هداية، وارتحل من العزِّيَّات آخرَ يوم من محرَّم الحرام 1272هـ/30 أكتوبر 1856م، ونزل بالجغبوب في صفر 1273هـ/نوفمبر 1856م، ولم يغادرها إلى أن توفِّي بها ضحوة الأربعاء، 9 صفر الخير 1276هـ/8 أغسطس 1859م([12]).

أبرز سمات منهجه:

مذهبه العقديُّ:

تلقَّى الأستاذ علم التوحيد بمضمَّن مصادره المعتبرة عند علماء أهل السنَّة الأشاعرة، عن مشايخه في مستغانم ومازونة وتلمسان وفاس، «ومنها من كتب التوحيد: لاميَّةُ العارف بالله أبي العبَّاس أحمدَ الجزائريِّ، وشرحُها للعارف بالله سيِّدي محمَّد السنوسيِّ التلمسانِيِّ، واللقانِيِّ، وغيرُهما من مصنَّفات الشيخ السنوسيِّ المذكورِ بشروحه الخمسةِ عليها، وهي: الصغرى، وصغرى الصغرى، والكبرى، وكبرى الكبرى، والمقدِّمات»([13]).

وحتَّى بعد تشريقته إلى الحجاز ظلَّ الأستاذ على معتقده ذلك، بل إنَّه تلقَّاه -أيضًا- بمكَّة عن خاتمة شيوخه السيِّدِ أحمدَ بنِ إدريسَ العرائشيِّ ؛ حيث قال: «وممَّا أخذته عنه: التوحيدُ بذلك الطريق المختارِ عند كافَّة السلف، ومحقِّقي أهل الله من خاصَّة الخلف، ممَّا هو معروف من طريقتيِ التفويض والتأويل»([14])، وحافظ خلفاؤه وإخوانه على هذا المعتقد الذي تلقَّوه عنه؛ فأورد الشيخ فالح الظاهريُّ في ثبَته الكبير (شَيم البارق من دِيَم المهارق) الكتب التي يرويها عن شيخه الأستاذ الأكبـرِ في (أصول الدين والعقائد) بأسانيده إلى مؤلِّفيها من أئمَّة أهل السنَّة؛ كالطحاويِّ، والأشعريِّ، والماتريديِّ، ونقل أنَّ مذهب الإمام الأشعريِّ «هو الصراط المستقيم، الوسط بين طرفي الإفراط والتفريط، السالمُ من آفة التشبيه والتعطيل، وآفتي التجسيم والزيغ في التأويل»([15]).

مذهبه الفقهيُّ:

درس الأستاذ الفقه المالكيَّ على يد مشايخه، وظلَّ مالكيَّ المذهب إلى آخر حياته، إلَّا أنَّه اجتهد في عدد من المسائل مخالفًا فيها مشهور المذهب، وقد عمل بهذه المسائل من قبله أستاذه السيِّد أحمدُ بْنُ إدريس، وهي عشر مسائلَ في الصلاة، وإنَّما اشتهرت عنه دون غيره؛ لأنَّه دوَّنها في كتابه، وأخذ بها إخوانه من بعده([16])، وهذه المسائل هي: (رفع اليدين، القبض، سكوت المصلِّي في ثلاثة مواضع، الاستعاذة، البسملة، التأمين، التكبير في القيام من الثانية، والسلام، والقنوت، وتطويل الصلاة وتقصيرها والتوسُّط).

طريقته الصوفيَّة:

لقد تعمَّق الأستاذ في دراسة التصوُّف، و«استمرَّ اهتمامه بالصوفيَّة حتَّى آخر حياته، وبقي خطُّها بارزًا في شخصيَّته، حتَّى إنَّه نظَّم طريقة خاصَّة، عُرفت باسمه»([17])، وكتب كتابه (السلسبيل المَعين، في الطرائق الأربعين) الذي تحدَّث فيه عن الطرق الصوفيَّة التي تلقَّاها بأسانيدها، ووصف الطريقة المثلى التي ارتضاها، فهو لم يقبل الصوفيَّة على إطلاقها، ولم يرفضها بالجملة، بل قادها بزمام الكتاب والسنَّة، وجعل طريقته مبنيَّة على «متابعة السنَّة في الأقوال، والأفعال، والأحوال»([18]).

ولعلَّ هذا ما دفع الدجانِيَّ إلى القول بأنَّ الأستاذ لم «يغلُ في صوفيَّته، ولم يُغرق في شطحاتها، كما أنَّه لم يغلُ، ولم يقف عند الحروف الفقهيَّة، ولم يتجمَّد في فهم أحكامها، بل زاوج بين دراستيه واتِّجاهيه، فأكسب صوفيَّته طابع السنَّة، ولجمها بحدود الشرع، وأكسب فقهه طابع الروحيَّة المتألِّقة»([19])، وهذا ما نلمسه في قوله: «عِلمنا مقيَّد بالكتاب والسنَّة، فمن لم يستمع الحديث، ويجالس الفقهاء، ويأخذ أدبه من المتأدِّبين، أفسد من يتبعه»([20]).

وكان الأستاذ t يحثُّ إخوانه على تعلُّم المهن، ويدعوهم إلى مزاولتها؛ سعيًا منه إلى تصحيح مفهوم التصوُّف في أذهان إخوانه، وأنَّ التصوُّف لا يعني التواكل والانصراف إلى العبادة، وأنَّ كلًّا من العلم والعمل عبادة، شأنهما شأن باقي العبادات من صلاة وصوم وذكر لله U، ويظهر ذلك في قوله في أحد الأيَّام: «بالكم تقولون الذي يخدم الحَجَر ما نوصله إلى الله، بالكم تقولون الذي يرعى الإبل ما نوصله إلى الله، وهكذا، وعدَّد أشياء كثيرة، لا، كيف ما نوصل صاحب (لا إله إلَّا الله محمَّد رسول الله في كلِّ لمحة ونفس عدد ما وسعه علم الله) نوصل غيره»([21])، وقوله لمن طلب منه أن يعلِّمه الكيمياء: «الكيمياء في سكَّة المحراث»([22]).

ولذلك لم يقتصر التعليم في الزاوية السنوسيَّة على تلقِّي العلوم العقليَّة والنقليَّة، بل تعدَّاها إلى تعليم المهن والحِرف والصناعات؛ كالبناء والنجارة والحدادة والغزل والتجليد، وصناعة البارود والأسلحة، ويصف شاعر الوطن رفيق التصوُّف السنِّيَّ للطريقة السنوسيَّة، فيقول [من الكامل]:

السَّيِّدُ (الْمَهْدِيُّ) أَعْظَمُ مُصْلِحٍ
ج

بَعْدَ الْأَئِمَّةِ قَامَ بِالْإِصْلَاحِ

إِصْلَاحُهُ الدِّينَ الصَّحِيحَ مُنَزَّهٌ

عَنْ جَذْبَةِ الْمُتَصَوِّفِ السَّبَّاحِ

صَانَ الْعَقَائِدَ مِنْ خُرَافَاتٍ، وَمِنْ

بِدَعٍ، وَمِنْ مُتَنَاقِضِ الشُّرَّاحِ

مَا كَانَ إِلَّا بِالشَّرِيعَةِ عَامِلًا

بِالْعِلْمِ فِي نَهْجَيْ تُقًى وَسَمَاحِ

مُتَقَيِّلًا أَخْلَاقَ وَالِدِهِ الَّذِي

بَدَأَ الْجِهَادَ بِهِمَّةٍ وَكِفَاحِ

(ابْنُ السَّنُوسِيِّ) الَّذِي آثَارُهُ

تُغْنِي عَنِ الْإِطْرَاءِ وَالْأَمْدَاحِ

كَانَتْ طَرِيقَتُهُ الْقِيَامَ بِسُنَّةٍ

نَبَوِيَّةٍ لَأْلَاءَةِ الْأَوْضَاحِ

لَيْسَتْ لِدَرْوَشَةِ الْمُرِيدِ وَجَذْبِهِ

بِالدُّفِّ أَوْ بِالرَّقْصِ أَوْ بِصِيَاحِ

وَكَفَاهُ نَشْرًا لِلْعُلُومِ بِنَاؤُهُ
ج

لِمَعَاقِلٍ مِثْلِ الْحُصُونِ فِسَاحِ

تِلْكَ الزَّوَايَا الْقَائِمَاتُ كَأَنَّهَا

لِلْمُدْلِجِ السَّارِي ضِيَاءُ صَبَاحِ

كَانَتْ مَنَارًا لِلْعُلُومِ، وَمَلْجَأً

لِلْمُحْتَمِينَ، وَمَوْرِدَ الْمُمْتَاحِ

لِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ فِي عَرَصَاتِهَا

كَدَوِيِّ ثَوْلِ النَّحْلِ فِي الْأَجْبَاحِ

وَلِدَارِسِ التَّوْحِيدِ فِي أَرْجَائِهَا

هَدْيٌ يُنِيرُ إِنَارَةَ الْمِصْبَاحِ

وَلِنَهْضَةِ الْعُمْرَانِ كَانَ بِذَاتِهِ
ج

يُلْقِي دُرُوسَ الْحَرْثِ لِلْفَلَّاحِ

وَيُدَرِّبُ الْفُرْسَانَ مُعْتَمِدًا عَلَى

فَنٍّ بِأَحْدَثِ عُدَّةٍ وَسِلَاحِ([23])

آثاره العلميَّة:

اختلف الباحثون في عدد الكتب التي ألَّفها الأستاذ؛ فزيادة يذكر أنَّه ألَّف تسعة كتب أحدها كان شعرًا([24])، ويذكر له شكري أسماء خمسة كتب مطبوعة، وثلاثة لم تُطبع([25])، وأمَّا الأشهب فيقول إنَّ له سبعة عشر كتابًا، ثمانية طُبعت، وتسعة لم تُطبع([26])، وفي (هديَّة العارفين)([27]) نسب إليه البغداديُّ خمسة وثلاثين مؤلَّفًا ما بين كتاب ورسالة، أمَّا السيِّد أحمد الشريف فأورد له في (الشموس)([28]) سبعة وأربعين عنوانًا، قائلًا: «وتآليفه t لا تكاد تحصر، وقد سردنا بعض شيء للتبرُّك، وإلَّا فلا قدرة لنا على إحصائها كلِّها خصوصًا التي في مسوَّداتها ولم نعرف أسماءها، وخصوصًا علمي الجفر والتوقيت؛ فإنَّ له t فيهما تآليفَ عديدة، غير أنَّها في مسوَّداتها ولم نجد لها أسماء»([29])، وهذه عناوين المطبوع منها:

  • إيقاظ الوسنان، في العمل بالحديث والقرآن.
  • بغية المقاصد، في خلاصة المراصد، المسمَّى (المسائل العشر).
  • الدرر السنيَّة في أخبار السلالة الإدريسيَّة (تاريخ الأدارسة).
  • السلسبيل المَعين، في الطرائق الأربعين.
  • شفاء الصدر، بأري المسائل العشر.
  • المسلسلات العشر في الأحاديث النبويَّة.
  • مقدمة موطَّأ الإمام مالك.
  • المنهل الرويُّ الرائق، في أسانيد العلوم وأصول الطرائق.
  • نزهة الجنان، في أوصاف مفسِّر القرآن.


([1]) يُنظر: الفوائد الجليَّة في تاريخ العائلة السنوسيَّة، عبد المالك بن عبد القادر بن عليٍّ، مطبعة دار الجزائر، دمشق، 1966م: (1/10، 11).

([2]) يُنظر: السنوسيَّة دين ودولة، د. محمَّد فؤاد شكري، دار الفكر العربيِّ، 1948م: (14)، الحركة السنوسيَّة نشأتها ونموُّها في القرن التاسع عشر، أحمد صدقي الدجانِيُّ، القاهرة، ط:1، 1967م: (47).

([3]) يُنظر: الفوائد الجليَّة، بن علي: (1/13– 17)، والحركة السنوسيَّة، الدجانِيُّ: (57).

([4]) يُنظر: السنوسيَّة دين ودولة، شكري: (18).

([5]) يُنظر: السنوسيَّة دين ودولة، شكري: (21).

([6]) الأنوار القدسيَّة في مقدِّمة الطريقة السنوسيَّة، أحمد الشريف السنوسيُّ، مطبعة عامرة، إستانبول، تركيا، ط:1، 1342هـ/1919م: (68).

([7]) يُنظر: الحركة السنوسيَّة، الدجانِيُّ: (72).

([8]) يُنظر: رحلة الحشائشيِّ إلى ليبيا (جلاء الكرب عن طرابلس الغرب)، محمَّد عثمان الحشائشيُّ، تح: عليّ مصطفى المصراتيّ، دار لبنان، بيروت، ط:1، 1965م: (150)، والفوائد الجليَّة، بن علي: (1/30)، الحركة السنوسيَّة، الدجانِيُّ: (78).

([9]) يُنظر: الفوائد الجليَّة، بن علي: (1/53، 54).

([10]) يُنظر: الفوائد الجليَّة، بن علي: (1/58، 59).

([11]) يُنظر: السنوسيَّة دين ودولة، شكري: (41-43).

([12]) يُنظر: الفوائد الجليَّة، بن علي: (1/79).

([13]) الشموس النورانيَّة العرفانيَّة الإشراقيَّة، في بيان أعلام الطريقة السنوسيَّة الإدريسيَّة المحمَّديَّة (مخطوط)، أحمد الشريف: (2/7).

([14]) الشموس (مخطوط)، أحمد الشريف: 2/108، 109.

([15]) شيم البارق من ديم المهارق (مخطوط)، فالح الظاهريُّ: 93، 96.

([16]) فيوضات المواهب المكِّيَّة بالنفحات الربَّانيَّة المصطفويَّة (مخطوط)، أحمد الشريف: (232).

([17]) الحركة السنوسيَّة، الدجانِيُّ: (50).

([18]) الأنوار القدسيَّة، أحمد الشريف: (5).

([19]) الحركة السنوسيَّة، الدجانِيُّ: (51).

([20]) يُنظر: إيقاظ الوسنان في العمل بالحديث والقرآن، محمَّد بن عليٍّ السنوسيّ، دار القلم، بيروت، ط:1، 1986م: (130).

([21]) الدرُّ الفريد الوهَّاج بالرحلة المنيرة من الجغبوب إلى التاج، أحمد الشريف السنوسي، حقَّقه وقدَّم له: د. أحمد محمَّد جاد الله، د. عبد الغني عبد الله محمود، منشورات جمعيَّة الإمام محمَّد بن عليٍّ السنوسيِّ للثقافة والتراث، ومجمع ليبيا للدراسات المتقدِّمة، ط:1، 1443هـ/2022م: (322).

([22]) الفوائد الجليَّة، بن علي: (1/76).

([23]) يُنظر: المهديُّ السنوسيُّ، محمَّد الطيِّب الأشهب، مطبعة بلينو ساجي، طرابلس، ليبيا، ط:1، 1952م: (11، 12).

([24]) يُنظر: برقة الدولة العربيَّة الثامنة، نقولا زيادة، بيروت، ط:1، 1950م: (73).

([25]) يُنظر: السنوسيَّة دين ودولة، شكري: (41-43).

([26]) يُنظر: السنوسيُّ الكبير، محمَّد الطيِّب الأشهب، مطبعة محمَّد عاطف، القاهرة، ط:1، 1956م: (81).

([27]) هديَّة العارفين أسماء المؤلَّفين وآثار المصنِّفين، إسماعيل بن محمَّد البغداديُّ، وكالة المعارف الجليلة في مطبعتها البهيَّة، إستانبول، ط1، د.ت: (2/400، 401).

([28]) الشموس (مخطوط)، أحمد الشريف: (2/702-704).

([29]) الشموس (مخطوط)، أحمد الشريف: (2/704).

** قُدِّم هذا المقال في إطار مشروع "عهود، وشخصيات ووقائع لافتة في التاريخ الليبي"، ونحن نرحب بأي ملاحظات تتعلق بتضمين الشخصية التي يركز عليها ضمن الكتاب المزمع إصداره بالخصوص، وبأسلوب كتابته ومحتواه.