القانون والمجتمع في ليبيا

القانون والمجتمع في ليبيا

مصير الدعوى المرفوعة باسم شخص أو على شخص تبين لاحقا أنه مَيِّت*

اللجوء إلى القضاء حق مقرر للشخص ويفترض أن يباشر في مواجهة شخص. وغني عن البيان أن الحديث عن الشخص يفترض الوجود، والوجود بالنسبة للإنسان يعنى الحياة، لأن من مات يفقد شخصيته (مادة 29-1 مدني)، أما بالنسبة للشخص الاعتباري فإن شخصيته القانونية تنتهي بالحل وأسباب أخرى.

وعلى الرغم من وضوح هذا الحكم، فإن الواقع كشف أوضاعا طريفة بعضها ثمرة الظروف التي قد تنتج عن الحروب أو الزلازل وما في حكمها وما ينتج عنها من فقد، في حين أن أوضاعا أخرى هي ثمرة سوء نية وتدنى في الوازع الأخلاقي؛ ولكن النتيجة في الحالتين نشوء مراكز إجرائية غير مطابقة للقانون. فالزوجة التي تلجأ إلى المحكمة لتطليقها من زوجها المفقود مثلا، ثم يظهر أنه أحد ضحايا الحرب لورود اسمه في قوائم المقابر الجماعية مثلا، فإن دعواها تعاني عيب إجرائي خطير ينعكس سلبا على كل ما تم فيها من إجراءات. هذا العيب يعود لتخلف شرط من شروط قبول الدعوى - وفقا لقضاء المحكمة العليا - وهو شرط الأهلية، فالميت لا أهلية وجوب له من لحظة وفاته بحسبان أنها من لوازم الشخصية وهذه انتهت بالوفاة.

كما أن صفة من كان يمثله في الخصومة تعد دون أساس لكونه يمثل شخصا غير موجود. ولا يختلف الحال بالنسبة للدعوى التي يرفعها وكيل باسم شخص يعلم أنه مَيِّت، وأيا كانت دوافعه، ذلك لأن صفته مستمدة من الموكل الذي لم يكن موجودا قانونا وقت رفع الدعوى بسبب الموت أو الحل! غير أن ما يميز الفرضية الأخيرة أن رافع الدعوى يخرق القانون عن وعي بادعاء صفة ليست له ولا يكترث لهيبة القضاء وما يجب له من توقير واحترام؛ وإذا سار معه محاميه - وهو يعلم -فإنه يعد شريكا له. ولما كانت المطالبة القضائية التي تنبثق عنها الخصومة -التي تمثل أحد أركان الحكم- لا تنعقد بشكل صحيح إلا بوجود مدعى ومدعى عليه، فإن تخلف أحدهما يوجب على المحكمة متى ثبت لها ذلك أن تتوقف عن متابعة السير في الخصومة وأن تتخذ القرار المناسب، وهو ما يشكل مشكلة؛ فقاضى محكمة الدرجة الأولى يواجه البت في دعوى مرفوعة على شخص غير موجود لانقضاء أهليته بالموت أو مرفوعة باسم شخص كان قد مات قبل مباشرتها، فبماذا يحكم؟ هل يحكم بعدم صحة المطالبة أم ببطلان الخصومة أم بعدم قبول الدعوى؟ بادي الرأي، أن الخيار الأول يجب استبعاده لأن المطالبة قد تتم وفقا لما رسمه القانون، وهو إلى ذلك لا فائدة منه إذا قدمت المطالبة ضد شخص يعتقد أنه حي على خلاف الحقيقة. فماذا عن خيار الحكم ببطلان الخصومة؟ هذا الحكم وإن وفر حماية مؤقتة، إلا أنه لا يحول دون تجديد المطالبة وافتتاح خصومة جديدة بإجراءات سليمة- على الأقل لمن يعتبرون أن الأهلية ليست شرطا لقبول الدعوى -. ولهذا يكون الخيار الثالث هو الأقرب للصواب، فالحكم بعدم قبول الدعوى المرفوعة على شخص تبين أنه مَيِّت يمنع من تكرار المطالبة لأن المحضر لا يمكنه الإعلان باسم المتوفى الذي علمت وفاته ولا إليه، وإلا تحولت العملية إلى تزوير لن يؤتى ثماره في نهاية المطاف. ولكن الصعوبة تظهر بشكل أكبر لو أن الوفاة تأكدت بعد صدور حكم في الفرضيتين المذكورتين (لصالح الزوجة والوكيل المزعوم أو ضدهما)، فماذا تقرر محكمة الطعن؟ ما من شك في أن الحكم محل الطعن هو حكم معدوم لصدوره في خصومة لم تنعقد بشكل صحيح لأن أحد طرفيها معدوم، وبالتالي فلا مناص من البدء بتقرير إلغاءه، والحكم بعدم قبول الدعوى لتخلف الركن الشخصي في جانب المدعى أو المدعى عليه. وهكذا وقائع تذكر بأن المشرع مهما كان حاذقا لا يمكنه التنبؤ بما يفرزه الواقع من وقائع، وفى نفس الوقت لا مناص من إلزام القاضي بالتحقق من أهلية وصفة الخصوم قبل السير في نظر الدعوى.

*نشر الكاتب هذا المقال على صفحته الشخصية على الفيسبوك، ونعيد نشره تعظيماً للفائدة.