تيسّر العدالة في ليبيا من منظور السعاة إليها: تيسر العدالة لضحايا القتل السياسي، بني وليد
تتعلق هذه الدراسة بعائلات أشخاص من مدينة بني وليد قتلوا في أحداث صاحبت ثورة فبراير وعقبها، وقد لعبت السياسة دوراً رئيساً في وقوع المظالم، والسعي لرفعها، ونتائج ذلك.
بني وليد، أو ورفلة، مدينة ليبية تقع على الشرق من العاصمة طرابلس الغرب، وحين وقعت ثورة فبراير 2011، ظل الكثيرين من ساكني المدينة على ولائهم لنظام القذافي، وكان من أثر هذا أن كانت المدينة آخر المدن التي سقطت في أيدي الثوار.
ولم ينته الأمر بسقوط المدينة، فقد تورط بعض ساكني المدينة لاحقاً بخطف وتعذيب عمران جمعة شعبان، أحد المنتمين لمصراتة-المدينة الثورية- وممن قبضوا على القذافي، ما نتج عنه وفاته بعد الإفراج عنه. وبعد ضغوط من قوى ثورية، أصدر المؤتمر الوطني العام قراره رقم 7/2012 الذي أباح استخدام القوة للقبض على من تورط في تلك الجريمة، ونتج عنه اجتياح المدينة، وتهجير بعض ساكنيها. وقد زاد الاجتياح من حدة الاستقطاب الذي شهدته المدينة بين مؤيدي الثورة ومناصري النظام السابق، وهم الأغلبية، ووقع اللوم على الأولين فيما وقع للمدينة، ودفع بعضهم للنزوح عنها.
وقد ركّزت الدراسة على ثلاث حالات. تتعلق أولى الحالات بالمبروك مبارك عامر الخازمي الذي قتل ثلاثة من أفراد عائلته على يد قوات النظام السابق، على الرغم من عدم مشاركتهم في أعمال قتالية. وأما ثانيها، فيتعلق بعبد الحميد وعبد السلام محمد مسعود خلف الله، اللذين قد فقدا ابنيهما أثناء مشاركتهم في القتال ضد الثوار. ويتعلق ثالث الحالات برجل-رفض ذكر اسمه - قتل ابنه أثناء مهمة تأمين وفد اجتماعي لإتمام مصالحة بين مدينتين.
ويكشف تحليل الحالات ومقارنتها أن للانتماء السياسي دورا كبيرا في تحديد مدى وقوع المظلمة ورفعها. فمناصرو النظام السابق ينفون وصف الظلم لما وقع على أنصار فبراير من قتل أو تهجير أو سلب ممتلكات أو إتلاف لها، فهو جزاء تخريبهم البلاد، وجلبهم الاستعمار إليها، وتم بناء على أوامر من سلطة شرعية. وفي المقابل، يرى أنصار فبراير أن ما وقع على خصومهم نتيجة لوقوف هؤلاء من الطاغية ضد شعبه، وتم استناداً إلى أوامر أصدرتها سلطة شرعية.
وقد زاد من حدة الاستقطاب بين الفريقين إضفاء بعض مؤسسات الدولة صفة "الشهيد" -بما يلحقها من مزايا مالية ومعنوية- على قتلى أحد الطرفين دون الآخر، على الرغم من أن قتلى هذا الآخر سقطوا - وفقاً لقناعته - دفاعاً عن الوطن. لقد فقد هؤلاء الثقة في مؤسسات الدولة. وفقدان الثقة هذا، والشعور بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية، أدى بعائلات الضحايا المناصرة للنظام السابق إلى رفع مظالمهم، ليس إلى مؤسسات الدولة الموكول لها الأمر، ولكن إلى مؤسسات أخرى، مثلا لمجالس اجتماعية. ولكن بعضهم لم يهمل الجانب القضائي، ورفع دعاوى للمطالبة بحقوقهم.
ومن العقبات التي ذكرها طالبو العدالة الإعلام، الذي أسهم في تأجيج الصراعات وتوسعة الشرخ من خلال نشر الشائعات والأكاذيب، وإذكاء نار الفتنة. فمثلًا، الحاج عبد السلام خلف الله يرى بأن سبّ معمر القذافي، وذكره بأشنع الأوصاف في القنوات التي تمثل 17 فبراير زاد من حالة الاحتقان والغضب لدى أنصار القذافي، وأثر سلبًا على إمكانية تحقيق المصالحة الوطنية، ذلك أن أنصار القذافي يرون فيه رمزًا، فكيف تتوقع منهم القبول بالمصالحة إذا كان الطرف الآخر يتعرض لرمزهم بالسوء.
وفي حين اتفق طالبو العدالة الذين تمت مقابلتهم على أن المصالحة الوطنية أهم عنصر من عناصر تيسر العدالة، إذ لن تقوم للبلاد قائمة إلا بتحقيق المصالحة الوطنية، وإنهاء فكرة الغالب والمغلوب، إلا أنهم اختلفوا في كيفية تحقيق هذه المصالحة. فمنهم من يرى تحققها رهيناً بمحاسبة الجناة، ومنهم من يراه موقوفاً على تقديم تنازلات من جميع الأطراف، ونسيان الماضي.
صدر هذا الملخص في التقرير النهائي للمرحلة البحثية الأولى لمشروع تيسر العدالة في ليبيا.