القانون والمجتمع في ليبيا

القانون والمجتمع في ليبيا

تيسّر العدالة في ليبيا من منظور السعاة إليها: تيسّر العدالة لمهجري تاورغاء، مظلمة فقد المستندات أنموذجاً

شكلت ثورة فبراير 2011 نقطة تحول لمدينة تاورغاء، ففي حين اصطفت مدن أخرى، مثل جارتها مصراتة مع الثورة، قاتل سكان تاورغاء لفترة طويلة إلى جانب القذافي، واتهموا بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان مثل الاغتصاب، خاصة ضد جيرانهم في مصراتة. وعندما انتصرت الثورة، قام ثوار من هذه المدينة الأخيرة بتهجير ساكني تاورغاء. وتركز دراسة الحالة هذه على بعض هؤلاء، وعلى مشكلة واجهتهم غالبا ما يتم تجاهلها: فقدان وثائقهم الشخصية (مثل بطاقات الهوية، والبطاقات المصرفية، والوثائق الدراسية، والشهادات المثبتة لملكية الأراضي).

ومن بين من شملتهم الدراسة محمد، البالغ من العمر 37 عاما، وكان من أوائل دفعته في كلية الهندسة، ما أهله للحصول على منحة للدراسة في الخارج. ولكن عقب الثورة، اضطر محمد إلى النزوح مع أسرته من تاورغاء، وبعد تنقل، استقر بهم المقام في مخيم جميعة الدعوة الإسلامية في طرابلس. وقد فقد محمد وثائقه الشخصية وشهاداته، ما منعه من الدراسة بالخارج، كما أن فقده المستندات المثبتة للهوية أثّر على حريته في التنقل، فنقاط التفتيش تتطلب إبراز هذه الوثائق، وغيبتها شكّل مشكلة كبيرة خصوصاً لشخص من تاورغاء. وفقد المستندات عنى أيضاً أن محمداً لم يتمكن من المشاركة في أنشطة سياسية مثل الانتخابات البلدية أو البرلمانية.

سعى محمد إلى الحصول على وثائق بديلة، ورفع مطالبه إلى جهات مثل مصلحة الأحوال المدنية، ومصلحة الجوازات والجنسية وشؤون الأجانب، ومصلحة التسجيل العقاري. ومراقبة التعليم مصراتة، والجهات الأمنية المسؤولة على تأمين الأنشطة السياسية. وتفاوتت مساعيه هذه نجاحاً وفشلاً، مثله في ذلك مثل العديد من مهجري تاورغاء الآخرين. ففي حين وافقت جهات مثل مصلحة الأحوال المدنية على إصدار وثائق بديلة، من خلال مكتب أنشأته خاص بمهجري تاورغاء، امتنعت أخرى، مثل مراقبة التعليم في مصراتة عن ذلك. ولعل وقوع هذه المراقبة في مصراتة كان علة الرفض. ومما فاقم من صعوبة استصدار وثائق جديدة أيضاً استمرار اعتماد العديد من المؤسسات المسؤولة عن إصدار هذه الوثائق على العمل الورقي، ومحدودية الميكنة فيه. وفي حين وأد امتناع تلك الجهات حلم محمد في الدراسة خارج البلاد، فإنه دفع أخوته إلى إعادة دراستهم الجامعية.

وعلى هذا النحو، تكشف دراسة الحالة هذه أن لفقدان الوثائق الشخصية آثاراً سلبية للغاية وطويلة الأمد على حياة النازحين، ومنها حرمانهم من ممارسة حقوقهم المدنية والسياسية، والاستفادة مما أتاحته لهم انجازاتهم من فرص.

صدر هذا الملخص في التقرير النهائي للمرحلة البحثية الأولى لمشروع تيسر العدالة في ليبيا.