تيسّر العدالة في ليبيا من منظور السعاة إليها: تيسّر العدالة لضحايا التلوث النفطي، جالو واجخرة وأوجلة
تتعلق هذه الدراسة بضحايا تلوث سببته أنشطة شركات نفطية نشطة في منطقة الواحات: حالتان في اجخرة، وثالثة من جالو ورابعة من أوجلة.
تتعلق هذه الدراسة بضحايا تلوث سببته أنشطة شركات نفطية نشطة في منطقة الواحات: حالتان في اجخرة، وثالثة من جالو ورابعة من أوجلة.
وقد تنوعت الأضرار التي أصابت هؤلاء. ففي حالة سليمان تمثلت في بوار أرضه نتيجة ردم مخلفات نفطية فيها، وفي حالة أسامة نفوق ناقته، وفي حالة إبراهيم موت أخيه في مواجهة هدفت إلى منع الشركة النفطية من دخول المنطقة، وفي حالة عادل تلف لحق الأرض بسبب تلوث الهواء والتربة والمياه الجوفية.
وقد ألقى هؤلاء باللوم فيما أصابهم على شركات النفط، فهي، في نظرهم، لم تلتزم بمعايير السلامة. وتنوعت مطالبهم بين نيل تعويض مادي (أسامة)، وبين علاج مشكلة التلوث بإلزام الشركات بمعايير السلامة (سليمان وعادل)، وبين منع الشركات من دخول المنطقة (إبراهيم).
وتحقيقاً لمطالبهم، اختار هؤلاء آليات مختلفة. بعضهم اختار مساراً قانونياً بتقديم شكواه إلى الشرطة والنيابة العامة، وبعضهم الآخر سلك مساراً "مدنيا" بتواصله -عبر منظمة غير حكومية - مع مؤسسات الدولة ذات العلاقة، فيما اتبع بعض ثالث مساراً سياسياً من خلال تشكيل لجنة من المتضررين لإيصال صوتهم لمؤسسات الدولة.
وقد لاقت مطالب المضرورين ومساعيهم استجابات مختلفة. ففي حالة أسامة، انتهت الشكوى التي قدّمها للنيابة العامة بالتنازل بعد أن عرضت عليه الشركة تسويتها نظير تعويض. وفي حالة سليمان وعادل، لاقت مطالبهم الرفض. وفي مقابل هذا، أفلحت مطالب إبراهيم في منع الشركة من دخول المنطقة، وكان لتضامن أهل جالو معه، وخروجهم في احتجاجات ضد الشركة، أثره في تحقيق هذه النتيجة. وكان النظام السابق، الذي وقعت في ظله المظلمة، حذراً من مثل هذه الاعتصامات مخافة تحولها ضده، ما دفع المسؤولون حينها إلى معالجة مسبباتها.
وكان الإثبات أبرز العقبات التي واجهت طالبي العدالة؛ إذ كان عليهم إثبات (أ) تلوث هوائهم وتربتهم ومياههم، و(ب) أن هذا التلوث كان نتيجة لنشاط شركة النفط، و (ج) أن ضرراً لحقهم جراء هذا التلوث. وفي حين لم يكن لهؤلاء ثقة بخبراء المؤسسة الوطنية للنفط، لتواطؤهم حسب زعمهم مع الشركات النفطية، تعذر عليهم اللجوء إلى مركز أبحاث مستقل لعدم وجوده أصلا. ولم يكن في وسعهم متابعة دعاوى قضائية بسبب ارتفاع التكلفة، خصوصاً مع علمهم بقدرة شركات النفط على الاستعانة بأفضل المحامين الخواص. وقد قاد هذا في كثير من الأحيان إلى جعل مسار العدالة متوجهاً إلى تحقيق مصالحة مع الشركة، عوضا عن مساءلتها قضائياً.
ومن بين العقبات المهمة أيضاً، السياقات الأمنية والسياسية. ففي عهد القذافي، كان التلوث النفطي، كما قال البعض، خطاً أحمر لا يجوز الحديث عنه خصوصاً إذا كان غير مباشر يدعى بتسببه في ضرر لطائفة واسعة من السكّان. وعلى الرغم من أن هذا الحظر لم يعد قائماً بعد فبراير 2011، خشي البعض من تذرّع بعض القوى السياسية بموضوع التلوث النفطي وصولاً إلى إغلاق الحقول النفطية.
ويرتبط هذا بعقبة أخيرة. فقد ذكر طالبو العدالة أن شركات النفط تعمل الآن دون رقابة حقيقية أو إشراف فعال ومحايد من الدولة، وجادلوا بأن مكتب الهيئة العامة للبيئة غائب تماماً، سواء في الرقابة أم تقويم التلوث. وعلى الرغم من أن رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط قد شكّل عام 2015 لجنة من الهيئة العامة للبيئة أعدت دراسة بيئية شاملة في مناطق الواحات، فإن نتائج اللجنة أثارت الغضب في مناطق الواحات، واعتبر التقرير منافياً للحقيقة. ببساطة، لا يثق السكان في أجندة المؤسسة الوطنية للنفط ودورها كخصم وحكم.
ولهذا، فقد انتهى الساعون للعدالة إلى المطالبة بأن تكون هناك جهة محايدة تراقب عمل الشركات النفطية، وأن يُنشأ مركز دراسات مستقل في مناطق الواحات يقوم بدراسة العينات والتحقق من وجود التلوث النفطي.
صدر هذا الملخص في التقرير النهائي للمرحلة البحثية الأولى لمشروع تيسر العدالة في ليبيا.