القانون والمجتمع في ليبيا

القانون والمجتمع في ليبيا

حول المحاماة العامة(الشعبية)*

المحاماة العامة (الشعبية) كفكرة صدر بها القانون 4 لسنة 1981م ليست نظاماً للمساعدة القضائية بل هي نظام خاص جاء على أنقاض تأميم مهنة المحاماة الخاصة بإلغاء قانونها رقم 82 لسنة 1975 م وجعل الدفاع أمام المحاكم والنيابات والجهات ذات الطابع القضائي حكراً على المحاماة العامة دون غيرها.

لقد فُككتْ المحاماة الخاصة وحلت نقابتها، وألغيت تراخيص المحامين وألحقوا بسلك المحاماة العامة، وصدرت بقانون المحاماة العامة رقم 4 لسنة 1981م أحكاماً تعالج الأوضاع الانتقالية كمعالجة وضع صندوق تقاعد المحامين والمبالغ المحصلة به ودرجات أقدمية المنضمين أسوة بباقي رجال القضاء والنيابة وإدارة القضايا.

إن المساعدة القضائية نظامٌ يقوم على تأطير حق التقاضي ومنع الوصول أليه بسبب ظروف الفقر والفاقة والعوز، فهو يقوم على تكليف دفاع مجاني للمستحق وتحميل الرسوم المستحقة عليه على الخزانة العامة وكذا استحصال أتعاب الخبراء من مبالغ تحتجز من أتعاب مستحقة للخبراء في دعاوى أخرى لغرض دفع اتعاب الخبرة للمستفيدين من نظام المساعدة القضائية.

ولقد نص قانون نظام القضاء رقم 29 لسنة 1962م على هذا النظام في الباب الخامس، ونص عليه القانون 51 لسنة 1976 الملغي للقانون السابق في الباب السادس في حين خلت نصوص القانون رقم 6 لسنة 2006م بشأن نظام القضاء من أي إشارة للنظام، وعولجت الأحكام المتعلقة بالإعفاء من الرسوم لمحدودي الدخل وأصحاب المعاشات الأساسية والضمانية في قانون الرسوم القضائية رقم 1لسنة 2003 (م81)، كما عالج قانون الخبرة القضائية رقم 2لسنة 2003م أتعاب الخبراء للمستفيدين من نظام المساعدة بالمادة 15 مع عدم وجود مرجعية قانونية للمساعدة بعد إلغاء القانون 51 لسنة 1976م.

وإذا كان هذا هو حال المساعدة القضائية فإن نظام المحاماة أوسع منه مجالاً ولا يقوم على ذات أسسه. فكما أسلفنا فإن المحاماة العامة كفكرة ولدت نتيجة توجهات الدولة الاشتراكية التي اقتضت تأميم كل الأنشطة والشركات والمهن وضم كل عمال القطاع الخاص للقطاع العام هذا من ناحية ،ومن ناحية ثانية فإن نطاق المستهدفين بخدمتها ليسوا الفقراء ومحدودي الدخل فقط بل تتسع بمجانية الخدمة للجميع وبلا أي مقابل، ولا يستحق المقابل إلا بالنسبة للشركات والمنشآت والأجانب دون غيرهم.

أيضاً المحاماة العامة ليست مجرد توفير دفاع لمن قعدت بهم ظروف الفقر والفاقة، بل هي نظام يتسع لفكرة التثقيف القانوني والمساهمة في إصلاح ذات البين وغيرها من الاختصاصات.

ولم يتطرق قانون المحاماة رقم 10 لسنة 1990 لمسألة المساعدة القضائية في حين تطرق لها القانون رقم 3 لسنة 2014م بشأن المحاماة والملغي للقانون السابق حيث أجاز قبول طلب ذوي الشأن ممن شملهم نظام المساعدة القضائية بتوكيل محام وتحميل قيمة الاتعاب على الخزانة العامة، وذلك رغم عدم وجود مرجعية قانونية لنظام المساعدة القضائية.

على أي حال المحاماة العامة ليست نظاماً للمساعدة القضائية بل هي نظام أوسع نطاقاً من حيث الخدمات والمستفيدين منها، هذا عوضاً عن الظروف التي قادت لنشوئه والتي لم يكن من بينها مساعدة المعوزين قضائيا. تتفق آلية المحاماة العامة مع ما انتهت إليه مجامع فكرية تؤصل لحق التقاضي وضرورات الدفاع أمام المحاكم والجهات ذات الطابع القضائي وتذود عن الفقراء ومحدودي الدخل ولذا كان وجودها خصيصة مهمة في القطاع العدلي في ليبيا وأن المحافظة عليها مع تطويرها بات من الاهمية بمكان. إن تطوير الإدارة يتطلب قراءة واعية لظروف نشوئها وآليات عملها وتطوير أداءها بمن يضمن تحصينها من أي إلغاء، مع ضمان تكاملها مع آليات الدفاع القانوني الأخرى.

*نشر الكاتب هذا المقال على صفحته على الفيسبوك، ونعيد نشره تعظيماً للفائدة.